الملف الصحفي


عفوًا هذه الوثيقة غير متاحة

القبس - الاثنين 11 فبراير 2008 - 03 صفر 1429: رقم العدد 12463

الدفع بـ " الجهل بالقانون "

هل يجوز للمتهم ان يدافع عن نفسه فيدعي انه لم يكن يعلم بأن القانون يجرم الفعل الذي ارتكبه؟ لو جاز ذلك لأصبح الامر فوضى، فكل متهم في وسعه ان يدعي انه لا علم له بالقانون الذي يحاكم به، ولا يستطيع احد اثبات علمه به، وهو ما يؤدي في النهاية الى تعطيل احكام القانون وتفويت الغرض منه، فيصبح حبرا على ورق. ولهذا استقرت احكام القضاء على افتراض العلم بالقانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، فمتى ما نشر القانون في الجريدة الرسمية قامت قرينة قانونية قاطعة لا تقبل اثبات العكس على توفرالعلم به، ويساعد على هذا الافتراض ان قواعد القانون تتوافق في الغالب الاعم مع قواعد الدين والاخلاق، فلا يستطيع احد ان يزعم انه لا يعلم ان القانون يحرم السرقة او القتل مثلا لأن الدين والاخلاق ينهيان عنهما. ولكن قد تدق التفرقة اذا كانت قواعد الدين والاخلاق لا تنهي عن العمل الذي يشكل جريمة جنائية، فالشباب حديث السن مثلا المفتون بالملابس العسكرية قد يرتديها للفت الانظار اليه دون ان يعلم انه يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون، والامثلة على ذلك كثيرة، فقد حدث ان الرسام العالمي مايكل انجلو بعد ان تناول طعامه في احد المطاعم، اراد ان يدفع الحساب ولكنه لم يجد في جيبه نقودا، فاخرج فرشاته والوانه ورسم ورقة من اوراق العملة، واتقن الرسم لدرجة يخيل للناظر اليها انها عملة حقيقية، ثم اعطاها للغرسون وقال له: خذ حسابك واحتفظ بالباقي. لو فعل هذا اليوم لخضع للتحقيق بتهمة تزييف العملة لانها جريمة يعاقب عليها القانون، مع ان ما رسمه يعد لوحة فنية تساوي قيمتها اضعاف اضعاف قيمة الوجبة التي تناولها.. ولكن القانون هو القانون. ولهذا فقد جرى قضاء محكمة النقض المصرية، كما جرى قضاء محكمة التمييز في الكويت على ان الجهل بالقانون ليس بعذر ولا يستثنى من ذلك الا الحالات التي يستحيل فيها العلم بالقانون، فإذا حالت قوة قاهرة دون وصول الجريدة الرسمية الى منطقة من مناطق الجمهورية كحالة الحرب او الحصار مثلا، فإن اعتذار المتهم بالجهل بالقانون ينفي عنه القصد الجنائي لأن المشرع لا يكلف بمستحيل، كما أبان القضاء ان المقصود بالنشر في هذه الحالة ليس مجرد طبع القانون بالجريدة الرسمية، وانما لابد من توزيع الجريدة بعد ذلك على الجمهور، لأن التوزيع هو الذي يتيح فرصة العلم بالقانون، ومن ثم لا يقبل الدفع بالجهل بالقانون، الا اذا اقام المتهم الدليل على ان عدد الجريدة الرسمية الذي نشر فيه القانون لم يتم توزيعه. وقد ثارت في مصر اشاعة لا استطيع الجزم بمدى صحتها، انه اثناء العهد الشمولي كانت بعض القوانين تنشر في الجريدة الرسمية، ولكن لا يتم توزيعها وانما تطبع من عدد الجريدة المنشور به القانون نسخة واحدة، فقط تحفظ لدى الجهة المختصة ولا توزع على الجمهور. وقد عرضت على محكمة النقض المصرية حالة من هذه الحالات ولكنها رفضت الاخذ بها على اساس ان اصحاب الشأن عجزوا عن اثبات عدم توزيع الجريدة الرسمية على الناس، مع انه من المعلوم ان اثبات الواقعة السلبية امر من اشق الامور. والله لا يكلف نفسا الا وسعها.

تسجيل الدخول


صيغة الجوال غير صحيحة

أو يمكنك تسجيل الدخول باسم المستخدم و كلمة المرور