الملف الصحفي


عفوًا هذه الوثيقة غير متاحة

جريدة القبس - الاحد, 17 فبراير, 2008 - 09 صفر 1429- رقم العدد: 12469

على الرغم من أهميتها في توفير الوقت والمعاناة
محكمة الأسرة .. لماذا تأخر إنشاؤها؟

تحقيق: حمـدية خلف
حقيقة واضحة يعرفها الكثيرون ممن يتعاملون في ساحات القضاء، خاصة في مجالات تخص شؤون الاسرة ومسائل الاحوال الشخصية. ضياع الوقت والجهد بين دوائر المحاكم المختلفة بحثا عن مطالب وحقوق كان يمكن الحصول عليها من محكمة واحدة، وبجهد وزمن اقل وظروف اكثر ملاءمة لتحقيق اهداف المتقاضين، وامام قاض واحد.
قضايا عديدة ومتعددة وجهد كبير ووقت ضائع تبذله مطلقات وامهات وزوجات وآباء امام محاكم الاحوال الشخصية، نماذج كثيرة تعرفها هذه الساحات، ازواج وزوجات ارهقتهم متابعة نزاعاتهم وقضاياهم ووقوفهم امام اكثر من قاض واكثر من محكمة لسرد همومهم وشكاواهم، لذلك كان لا بد من ان نتساءل كما تساءل كثيرون: لماذا تأخر انشاء محكمة الاسرة في الكويت حتى الآن؟
مع ان الحاجة الماسة لوجودها ظاهرة للعيان، لماذا نعتبر انشاء مثل هذه المحكمة الحيوية لخدمة مصالح الاسرة وحقوق افرادها وتيسير حياتهم، كما لو كان ترفا ورفاهية يمكن تأجيلها او الاستغناء عنها، رغم مطالبة العديد من الشخصيات المهمة والعارفة باوجاع الاسرة بضرورة انشائها منذ زمن، ورغم ان دولا عربية كثيرة سبقتنا في هذا المجال.
كان لا بد ان نحاور اصحاب الراأي والمشورة لنعرف: هل حقا وجود محكمة للاسرة يخفف من عذابات واشتباكات المتقاضين في هذا المجال؟
من رجال القضاء المهتمين بانشاء محكمة الاسرة القاضي صالح الركف، لذلك توجهت اليه في البداية اسأله عن اهمية انشاء محكمة للاسرة في الكويت، خاصة ان قضايا الاسرة تشغل جانبا كبيرا ومساحة كبيرة من وقت الساحة القضائية، اجاب:
- دعوت مرارا للتعجيل بانشاء محكمة للاسرة في البلاد وعلى صفحات جريدة القبس بالذات، نظرا لان دعاوى الاحوال الشخصية تمس شريحة كبيرة من ابناء المجتمع، ولانها متعلقة بالكيان الاسري ولها خصوصيتها وايضا سريتها، لذا فالضرورة تستلزم العمل على تأسيس هذه المحكمة لترى النور باسرع وقت.
• سمعت انك قدمت ورقة عمل بهذا الخصوص.. ما اهم ما تضمنته من افكار؟
- اوصيت في ورقة العمل بانشاء دوائر متخصصة لمحاكم الاسرة تعنى بمسائل الاحوال الشخصية، بهيكل تنظيمي ولها اقسام مساعدة ومعاونة تبدأ بقسم تقديم الطلبات بالتنسيق مع ادارة الاستشارات الاسرية، ثم لجنة لفحص الطلبات قبل احالتها الى محكمة الاسرة، وتختص هذه اللجنة بمحاولة الصلح بين الزوجين، فان وفقت اللجنة باصلاح الحال بناء على اتفاق محدد سلفا فيتم توثيقه ويوقع عليه الطرفان فذلك خير.
اذا لم توفق اللجنة وفي حالة الاصرار على الخلاف، فان الامر يحتاج لرفع دعوى، لذلك يرفق تقرير لجنة فحص الطلبات فيه بحث للحالة مع طرفي الخصومة الى هيئة المحكمة، المشكلة من قاض فرد وعضو تابع لادارة الاستشارات الاسرية كما ي حدث لدى محكمة الاحداث.
كما يتبع ذلك شعبة خاصة بشؤون كتاب محكمة الاسرة ومحفوظاتها والجدول الخاص بها للاستعلام، وينتدب لها ضباط دعاوى في هذا الشأن.
كما طالبت بتخصيص مراكز تهتم بشؤون الاسرة على غرار ادارة رعاية المسنين، وتوفير الامكانات لها وتسخير جهود هذه المراكز لتقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع، وايجاد نوع من التآلف بين الأبوين والابناء.
ويضيف القاضي المتخصص في شؤون الاسرة:
- كما ان محكمة الاسرة سيمتد نفوذها الى ميحط الزوجين من اشقاء واقارب ومعارف واصدقاء، وذلك لتصل الى العلاج المناسب ومعرفة ما يخفيه احد الزوجين من امور، وتقدير موقف كل طرف تقديرا موضوعيا ورصد اسلوب كل منهما لادارة الحياة داخل الاسرة، وقد يساهم في ذلك ايضا طبيب الاسرة المعالج في الاحوال الذي تحتاج الى رأيه لكشف الحقائق.
وبذلك يكون لدى قاضي محكمة الاسرة الصورة الكاملة والحقيقية عن المشكلة المعروضة، فيستطيع ان يحكم بما تمليه مصلحة الاسرة حين تعرض عليه المشكلة بكامل جوانبها، لذلك يصبح حكمه ليس مجرد حكم عادل في قضية، ولكنه حكم يعالج ويصلح احوال الاسرة. وهذه ميزة ان ينظر قاض واحد ومحكمة واحدة في كل مشاكل ونزاعات الاسرة. وهنا لا يقتصر دور محكمة الاسرة على فك التشابك وحل النزاع، وانما متابعة استمرارية العلاقة الزوجية بين الطرفين، وايجاد حلول لكل المشاكل التي تعانيها الاسرة.
قاض متفرغ ومتخصص
ويضيف الركف:
- كما يجب ان يكون لمحكمة الاسرة وما يتبعها من مكاتب ومراكز دور فعال تجاه قضايا الاسرة كالحبس، وذلك باقرار فكرة الخلوة بين السجين وزوجته وتنفيذها في الواقع، كذلك الاهتمام بموضوع رؤية الاولاد المحضونين للطرف الآخر من خلال فكرة تخصيص ناد للرؤية، وينتدب مأموران لتنفيذ هذا الامر. كما انه من المهم بمكان تخصيص قاضي تنفيذ متخصص وتفريغه لاحكام الاسرة، بدلا مما هو معمول به من خلال قاضي تنفيذ اقليمي يختص بكل محافظة على حدة، ويناط به تنفيذ جميع الدعاوى بانواعها المختلفة.
كذلك اطالب بمكاتب اتصالات خارجية تتبع محكمة الاسرة وتتولى التنسيق مع ادارة المنافذ في البلاد، وتكون مهمة هذه المكاتب متابعة حق الاذن في سفر المحضون تحت اشراف محكمة الاسرة وادارة الاستشارات الاسرية.
ويختتم حواره بان هذه المحكمة ستحقق للاسرة الكثير وتحرص على مصالح وحقوق افرادها، نظرا لان كل قضايا الاسرة وخيوط نزاعتها تكون متوافرة امامها وامام قاض واحد يلم الماما كبيرا بهذه الخيوط.
محاكم الأحوال الشخصية تكفي!
المحامي ابراهيم الاثري، العليم بقضايا الاسرة وجراحها من خلال ما يعرض عليه من قضايا، يستغرب المطالبة بانشاء محاكم متخصصة في قضايا الاسرة، ويقول:
• محاكم الاحوال الشخصية ماذا تفعل غير البحث في مشاكل الاسرة؟!
- لدينا ما يزيد على 20 محكمة احوال شخصية موزعة في كل محافظات الكويت وتختص بالنظر في جميع قضايا الاسرة وحقوق الزوجين.
• لكن حين تتوافر محاكم الاسرة سيكون لها قضاة متخصصون في شؤون الاسرة واحوالها الشخصية، بدلا من قضاة عاديين، لا شك ان ذلك سيخدم الاسرة اكثر ويحقق عدالة اكبر للمتقاضين امامها، ويستطيع قاض واحد متابعة قضاياها؟ يجيب:
- ابدا هذا ايضا متوافر ولو بنسبة ليست كبيرة، لكن لا تنس ان لدينا قانون الاحوال الشخصية الذي يلتزم به القاضي، القاضي يحكم بناء على قانون، وهو، اي القانون، يعالج مشاكل الاسرة والزوجين، فالقاضي يحكم بموجب النص الموجود امامه، واذا لم يوجد نص في القضية المعروضة فانه يرجع للراجح من مذهب الامام مالك كما ينص قانون الاحوال الشخصية. وهذا الراجح غالبا موجود في المجموعة الفقهية ومتوافر في موطئ الامام مالك.
ويستطرد:
- اذا كنت تقصدين ان محكمة الاسرة تأخذ بمبدأ اصلاح ذات البين بين الزوجين المتخاصمين، فلا ارى اي فرق في ذلك بين محكمة الاسرة وما تأخذ به محاكم الاحوال الشخصية، اللهم الا في مسألة الطلاق. وقد انشأت وزارة العدل ادارة الاستشارات الاسرية التي تضم مستشارين نفسيين ومستشارين اجتماعيين، اذا طلبت الزوجة التطليق او المخالعة فان الامر يعرض على احد المستشارين المختصين بالمشكلة، ويحاول الاصلاح بين الزوجين، فاذا لم يوفق ورأى ضرورة التفريق بين الزوجين او اوصى بذلك، فان المحكمة تحكم بالتفريق، لذلك لا ارى داعيا لوجود محاكم الاسرة، لان محاكم الاحوال الشخصية تقوم بالمهمة نفسها، والمشكلة ليست في المحكمة وتسميتها، بل في القانون ذاته المطبق على قضايا الزواج والاسرة.
رعاية الأسرة تعني مجتمعاً قوياً!
لم أجد افضل من المحامي امام محكمة التمييز والمحكمة الدستورية العليا عبدالله التركيت نظرا لاهتمامه الكبير بشؤون وشجون الاسرة ولأسأله: هل ترى ان الاسرة بحاجة لمحكمة خاصة؟ أجاب:
- الاسرة هي قوام المجتمع وبذرته، متى مارعينا هذه الاسرة وحفظناها من الانشقاق تحققت لنا امة صلبة مبينة على مجتمع قوي متين، وهذا ليس قولي بل قول الدستور الكويتي حيث نصت المادة التاسعة فيه على ان: «الاسرة اساس المجتمع، قوامها الدين والاخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها ويقوي اواصرها ويحمي في ظلها الامومة والطفولة».
فلم يتناس الدستور الكويتي في مواده المعدودة مكانة الاسرة ودورها في بناء العنصر البشري للدولة الحديثة كي تناهض بقية الامم وتلحق في ركب مثيلاتها من الدول المتحضرة، لذلك يستوجب على متخذي القرارات الادارية من قياديي السلطة التنفيذية بالدولة او العاملين على صياغة نصوص القانون في مجلس الامة الكويتي، وضع الاسرة والامومة والطفولة نصب اعينهم عند اصدار قرار او قانون، من هنا تأتي اهمية النص على مكانة الاسرة والمرأة في دستور الدولة.
انطلاقا من هذه المقدمة ووسط الاصوات المتعالية المنادية بانشاء محكمة خاصة بالاسرة لترعى شؤونها، فاننا نجد انه من الاهمية بمكان تأييد هذا المطلب للمحافظة على الاسرة الكويتية. ولا نقصد بمحكمة الاسرة هنا بان يكون لها مبنى مستقل يُسمى بمحكمة الاسرة، بل المقصود ان يصدر قانون بانشاء محكمة الاسرة او ان يتم تعديل بعض نصوص قانون المرافعات وقانون الاحوال الشخصية الحالي ليتماشى مع هذا المطلب.
اقتراحات بديلة
• هل لديك اقتراحات اخرى تقدمها في هذا المجال؟
- نعم لدي عدة اقتراحات:
أولاً: عقد دورات تثقيفية مجانية للزوجين قبل ابرام عقد الزواج وذلك لاطلاع كل طرف على واجباته الشرعية والقانونية تجاه زوجه، حيث ان جهل اي شخص بالحقوق والواجبات المفروضة عليه يوقعه بالخطأ والحظر، فمن لا يعلم بوجود انفاقه على زوجته لا يقوم بالانفاق عليها.
ثانياً: حال وجود بوادر خلاف يتم اللجوء الى طاقم من الموظفين المتخصصين ذوي الخبرات الاجتماعية والنفسية والقانونية، لمحاولة اصلاح وتلافي اي خلاف وانشقاق، وذلك من خلال جلسات وحلقات نقاشية لتفهم اوجه الخلاف واصوله واسبابه، ولا ضرر من اشراك اهل وذوي الزوجين في هذه المناقشات لعل ان يكون في ايديهم الخير للاصلاح وذلك انطلاقا من قوله سبحانه وتعالى: «وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها».
ثالثاً: حال تعذر الاصلاح يحال النزاع الى قاض واحد في جميع القضايا المتداولة بين الزوجين، ليتسنى له الالمام بجميع خيوط النزاع وبجميع تفاصيل الخلاف الاسري وحتى لا تتضارب الاحكام الصادرة بين الزوجين اذا ما نظر النزاع بين الزوجين اكثر من قاض.
رابعاً: ان يتم اشراك نوعية اضافية من المنازعات الخاصة بالزوجين في هذه المحكمة الخاصة بالاسرة وان كانت ذات طبيعة اخرى مختلفة عن الاحوال الشخصية، ومثال ذلك القضايا المتعلقة بالعقار المملوك للزوجين فكيف تتم قسمته بينهما حال الطلاق، وكذلك المنازعات المتعلقة بالمستندات الرسمية الخاصة بالاطفال ومن يحتفظ بها من الزوجين.
ولا شك ان بعض المقترحات السابقة موجودة ومطبقة حاليا على ارض الواقع ولكن ليست مقننة بقانون صريح وواضح يحدد بشكل واضح، وانما كانت اجتهادات ادارية شخصية، قد يطرأ عليها تغيير وتعديل بارادة منفردة لاي مسؤول اداري، ولكن يجب توضيحها بقانون صريح وواضح وملحق به مذكرة ايضاحية يفسر فيها بشكل تفصيلي القصد من وجود هذه المحكمة بالصورة التي ننادي بها.

تسجيل الدخول


صيغة الجوال غير صحيحة

أو يمكنك تسجيل الدخول باسم المستخدم و كلمة المرور