الملف الصحفي


عفوًا هذه الوثيقة غير متاحة

جريدة القبس - الاثنين 08 مارس 2010 ,22 ربيع الأول 1431 , العدد 13208

دستورية قانون غرفة التجارة

كتب محمد الفيلي :
صدر قانون غرفة تجارة الكويت عام 1959 ونشر في الجريدة الرسمية «الكويت اليوم» في العام ذاته بالعدد 229 وصدور القانون قبل صدور الدستور لا يخل بطبيعته كقانون، فالمادة 180 من الدستور تقرر بوضوح ان «كل ما قررته القوانين واللوائح والمراسيم والاوامر والقرارات المعمول بها عند العمل بهذا الدستور يظل ساريا ما لم يعدل او يلغ وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور وبشرط ألا يتعارض مع نص من نصوصه وحكم المادة 180 من الدستور، الى جانب الزاميته منطقيا، فلا تستطيع الجماعات ان تعيش في فراغ قانوني عند تحول نظمها الدستورية كما لا يمكنها ان تشرع، دفعة واحدة، في كل الامور التي كانت منظمة بتشريع سابق ولذلك فلا مناص من الاعتداد بالتشريعات السابقة على صدور الدستور الجديد والفقه والقضاء مستقران على الفهم السابق حتى عند عدم وجود نص صريح يقرر هذا الحكم في الدستور الجديد، ولذلك فمن المستقر عليه ان الثورة او الانقلاب تؤدي الى الغاء الدستور السابق على نجاحها سواء بشكل تلقائي او منذ صدور قرار بذلك، ولكن القوانين المنظمة لانشطة الناس ومعاملاتهم تظل قائمة لحين الغائها او تعديلها ولا تزول لمجرد الغاء الدستور السابق او اقرار دستور جديد.
واذا انطلقنا من نص المادة 180 من الدستور فإن الالزام المقرر للتشريعات السابقة على صدور الدستور (ولا نعرض في هذه الدراسة للقرارات الفردية) يرتبط بعناصر ثلاثة وهي: صدورها بصفة تشريع (اولا) وعدم مخالفتها للدستور القائم (ثانيا) وعدم الغائها او تعديلها (ثالثا) ومن بعد عرض هذه العناصر الثلاثة والنظر في حقيقة انطباقها على قانون غرفة التجارة الصادر عام 1959 نستطيع ان نخلص الى النتائج والتوصيات.
اولاً: صدورها بصفة تشريع
في الفترة السابقة على العمل بالدستور المؤقت (القانون 1962/1 النظام الاساسي للحكم في فترة الانتقال).
كانت السلطة التشريعية والتنفيذية تجتمعان في يد الامير، فهو الذي يصدر التشريعات سواء ما كان منها بدرجة القانون في موضوعاته او ما كان منها ذو طبيعة لائحية، وقد استقر العمل على ان ترفع مشاريع التشريعات للامير عن طريق رؤساء الدوائر باعتبارهم ينوبون عنه في تسيير المرافق العمومية وقد ترفع له المشاريع عن طريق اللجنة التنفيذية العليا التي انشئت عام 1954 او عن طريق المجلس الاعلى المنشئ قبل الاستقلال، وفي الواقع فإن مطالعة النصوص الصادرة آنذاك تكشف عن عدم وجود قاعدة منضبطة، كما ان التشريعات لم تكن متناسقة لا في اسلوب صياغتها ولا في اجراءات نشرها ولا في الادوات القانونية المستخدمة لتشريعها، فبعضها يستخدم اداة الامر الاميري (احكام شرعية خاصة بالاوقاف، امر اميري بإقرارها كاحكام ملزمة صادر بتاريخ 5 ابريل 1951عن حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم) وبعضها يحمل عنوان «قانون» مثل قانون بشأن الملاحة الجوية (الكويت اليوم 1958 ــ العدد 202) قانون البلدية الصادر عام 1954 (الكويت اليوم ــ العدد الثاني) والى جوار القوانين نجد ايضا «المرسوم بقانون» كأداة للاصدار وقد صدر ضمن هذا العنوان عام 1959 مراسيم بقانون لتنظيم القضاء واقامة الاجانب والجنسية الكويتية، علما بأن المرسوم بقانون، كأداة لا يتسق فنيا مع الوضع القانوني للسلطات العامة آنذاك فهو يفترض وجود حكومة مسؤولة يمارس «بواسطتها» رئيس الدولة اختصاصاته كي لا يكون مسؤولا امام البرلمان، ويستخدم المرسوم بقانون عند غياب البرلمان ووجود حاجة ملحة لتشريع القانون، وكل هذا لم يكمن متحققا حينذاك اذا لم يكن هناك برلمان وكان الامير يجمع السلطة التشريعية والتنفيذية، ونعتقد ان هذا التباين في استخدام الادوات القانونية مرده الى تباين الثقافات والمدارس القانونية للمستشارين القانونيين، وعدم وجود نصوص تنظم بوضوح الإجراءات التشريعية. واذا رجعنا الى قانون غرفة التجارة فاننا نجد انه قد نشر في الجريدة الرسمية «الكويت اليوم» بوصفه قانونا، وقد يستغرب القارئ غير المعتاد على متابعة النصوص القانونية القديمة من أسلوب نشره، فهو لا يحتوي على رقم للتشريع يبين تسلسله في السنة التي صدر فيها كما انه لا يحتوي على ديباجة، وقد نشر دون نشر ما يفيد التصديق عليه من قبل الامير. ومن جانبنا فاننا نقرر ان الرقم المنشور مع القانون ليس عنصرا من عناصره فهو مجرد اجراء مادي تقوم به جهة النشر لتسهيل الاستدلال على النص، كما ان الديباجة ليست عنصرا من عناصر التشريع بالضرورة وعند وجودها فان صفة التشريع فيها تثبت للاحكام المقررة فيها وليس للوصف الانشائي لسبب الاصدار. اما عن عدم نشر ما يفيد التصديق فهو لا يعدو ان يكون خطأ ماديا لا يعني عدم وجود التصديق في النص الاصلي. وعلى كل حال فان هذا الخطأ المادي في النشر له امثلة كثيرة في النصوص المنشورة آنذاك. فقانون البلدية الصادر عام 1954 (الكويت اليوم، السنة الأولى) نشر دون نشر ما يفيد التصديق. والديباجة الواردة فيه موقعة من قبل «الخبير المراقب». وقانون الموانئ العام الصادر عام 1959 (الكويت اليوم 227) تم نشره دون نشر ما يفيد التصديق، وفي العام ذاته نشر تعديل للمادتين 41 و90 من هذا القانون (الكويت اليوم 246) وتم النشر مع تذيله بتوقيع «رئيس الميناء» مع تقرير سريان التعديل من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية. وقد عدلت المادة 73 من القانون المذكور عام 1961 بالقانون رقم 1961/11 بتعديل المادة 73 من قانون الموانئ العام (الكويت اليوم العدد 321) ونلاحظ ان التعديل المذكور حدد لقانون الموانئ العام رقما وهو 1959/7 مع ان هذا القانون قد تم نشره في الاصل بدون رقم مسلسل كما لم يرد في النسخة المنشورة ما يفيد التوقيع على القانون، حال ان التعديل المنشور عام 1961 قد جاء مذيلا بعبارة «أمير الكويت عبدالله السالم الصباح» مع تحديد تاريخ الاصدار. وسوف لن نستطرد بذكر الامثلة مع وجودها لان الاستطراد لن يضيف جديدا للموضوع، ولكننا نخلص الى تأكيد ان قانون غرفة التجارة الصادر عام 1959 هو قانون كما هي بقية القوانين الصادرة آنذاك وقد تم نشره كما بقية القوانين المنشورة في تلك الفترة. وغرفة التجارة التي مارست نشاطها كشخص اعتباري ينظم مهنة التجارة منذ صدور القانون المشار اليه ما كان لها ان تكون وتعمل بدون وجود هذا القانون. فالشخصية الاعتبارية التي تشير لها المادة الثانية من قانون الغرفة لا يمكن ان تثبت الا بقانون او بناء على قانون، ولما لم يكن هناك قانون ينظم نظائرها كان لزاما ان يصدر قانون خاص يرتب لها الشخصية الاعتبارية، وقد سلك المشرع الكويتي مثل هذا المسلك لاحقا عندما اصدر مرسوم بقانون لانشاء بيت التمويل الكويتي، وتنظيم المهن الحرة في الاصل من اختصاص السلطة التنفيذية، واذا كان من الجائز ان يسند هذا الدور لاصحاب المهنة من خلال انشاء مرفق مهني فان مثل هذا المرفق يحتاج الى تدخل تشريعي لانشائه. والوجود القانوني للغرفة استنادا لقانونها لم يكن محلا للتشكيك وقد اشارت بعض القوانين للغرفة من خلال وجوب وجود ممثلين عنها في بعض الانشطة (م 5 من القانون 1976/61 باصدار قانون التأمينات الاجتماعية، م 4 من القانون 1965/6 باصدار قانون الصناعة) وجوب التسجيل فيها لممارسة بعض الانشطة (م 5 من القانون 1964/37 في شأن المناقصات العامة). ولكن هل محتوى القانون الصادر عام 1959 موافق للدستور؟
ثانيا: دستورية محتوى القانون
الموضوع الاساسي لاختصاص الغرفة هو تنظيم مهنة التجارة وهو نشاط يدخل بطبيعته ضمن دائرة اختصاص السلطة التنفيذية فهي التي تختص باصدار قواعد الضبط الاداري (م 72) كما ان مجلس الوزراء، وهو العنصر الاهم في الحكومة، يهيمن على مصالح الدولة (م 123). واذا كان للقانون ان يناط بشخص من اشخاص القانون، عاما كان او خاصا، الاختصاص بتنظيم المسائل المكلفة بها السلطة التنفيذية، فليس للقانون ان يخرج هذه الكيانات التي انشأها وحدد اختصاصاتها عن رقابة السلطة التنفيذية بشكل مطلق. لان مثل هذا التنظيم يخل بمبدأ وحدة الحكومة في الدولة، كما انه سيخلق كيانات تعمل في اطار الحدود الاقليمية للدولة دون امكان تحريك المساءلة السياسية ان انشطتها، واذا كان الدستور لا يتضمن نصا يحتوي صراحة حكم انشاء المرافق المهنية من حيث علاقتها بالسلطة التنفيذية فإن هذا الحكم يستنبط عند القياس على حكم المؤسسات العامة والاشخاص الاعتبارية الاقليمية، واوجه التشابه المبررة للقياس تظهر في المساءلة التالية‍:
ــــ ان النشاط الذي يمارسه الاشخاص المرفقية (المؤسسات العامة) والاشخاص الاقليمية (البلديات) وايضا المرافق المهنية هو في الاصل من اختصاص السلطة التنفيذية.
ــــ الاشخاص المرفقية والاقليمية تنشأ بقانون كما المرافق المهنية.
وهذا التشابه يقود الى وجوب الاخذ بالحل الذي اخذ به الدستور في المادة 133 التي تقرر ينظم القانون المؤسسات العامة وهيئات الادارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها، ونلاحظ ان الاصل هو ان يحدد القانون ذاته شكل التوجيه والرقابة ودرجتهما والجهة التي تمارسهما، ولهذا الاشراف حد ادنى وهو لفت نظر الهيئة الى مخالفة احكام القانون الذي قرر لها الاختصاصات والقدرة على الاعتراض على هذه المخالفات وحد اعلى وهو مشاركة اطراف السلطة التنفيذية في تسيير اعمال الهيئة دون الحلول محلها في اتخاذ القرار.
وقانون انشاء الغرفة لم ينظم هذه الرقابة عند صدوره، كما ان العمل لم يكشف عن الحاجة لمثل هذا الاشراف، ولعل غياب الانتباه لهذا الامر راجع لمسلك الغرفة الحذر واتصالها القريب من السلطة التنفيذية بما لا يحوج السلطة التنفيذية للتدخل الرسمي، ولكن مثل هذا الواقع لا يغني عن وجوب التنظيم بما فيه حماية لمصلحة كل الاطراف ومن باب الاستطراد في التحليل القانوني والتماس الحلول التي تحمي المشروعية، فإننا نقول بأن الحكومة تملك الحق بتحريك الدعوى العمومية امام القضاء، عند ملاحظتها لوجود تجاوزات للقانون من قبل الغرفة، وسندنا في هذا القول هو التفسير الشمولي للنصوص واحترام مقاصد الدستور، فهيمنة الحكومةعلى المصالح العمومية تستدعي تقرير هذا الحق لها، ورأينا قد استوحيناه من حكم المحكمة الدستورية في حكمها 2009/20 الصادر بتاريخ 28 اكتوبر 2009 فهي تقرر «انه من المسلم به في مجال استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية انه اذا احتمل النص اكثر من معنى وجب حمله على المعنى الذي يجعله اكثر اتفاقا مع التشريع الاعلى، وعلى النحو الذي يحمله على اصله من الصحة». والجهة الحكومية الاقرب لهذا الموضوع هي وزارة التجارة لاتصاله بمرسوم انشائها، وما نقول به قد يكون غير مألوف في الادبيات القانونية في البلاد العربية لان الاصل ان تمارس الادارة الحكومية مفردات الرقابة والاشراف بقرارات تصدر عنها، ولكن هذا الاعتياد لا ينفي الامكانية القانونية لمثل هذا السلوك فللغرفة شخصيتها القانونية المستقلة والرجوع الى القضاء والاحتكام له عند الاعتقاد بوجود مخالفة للقانون ينطوي على شكل من اشكال الاشراف الممكن ممارسته دونما حاجة لنص يقرره صراحة. وقبل الانتقال الى عرض مسألة استمرار وجود القانون لعدم الغائه او تعديله أرى واجبا عليّ التوقف عند مسألة حقيقة الطبيعة القانونية للغرفة كجمعية. نعم لأول وهلة يبدو للفاحص ان غرفة التجارة لها صفة الجمعية على غرار جمعيات النفع العام، ولكن التفحص الدقيق للموضوع يجعلني اعدل عن هذا التكييف. فالتسجيل في الغرفة وجوبي لممارسي الحرف التجارية التي قررها قانون الغرفة، واذا كان العمل قلل من فعلية الوجوبية في كثير من المجالات فان قوانين اخرى تؤكدها في انشطة محددة مثل القانون 1964/37 في شأن المناقصات العامة والقانون 1964/43 بشأن الاستيراد، وهذه الوجوبية تتعارض مع الطبيعة القانونية للجمعيات كما تقررها المادة 43 من الدستور، فالجمعيات محكومة بمبدأ طوعية الانضمام لانها تجمع للافراد حول مشروع فكري او لممارسة هواية، اما الغرفة فالعضوية فيها موضوعها تنظيم مهنة يمتهنها الاعضاء ووجوبية الانضمام هي عنصر من عناصر المرفق المهني لا يستقيم بدونه وهي المبرر لوجوب صدور قانون لتنظيمه.
ثالثا: عدم الإلغاء أو التعديل
كي يستمر وجود القانون الصادر قبل صدور الدستور يلزم بطبيعة الحال ألا يكون محلا للإلغاء او التعديل الصريح أو الضمني. ولم نجد أي قانون يقرر الإلغاء الصريح أو الضمني لقانون الغرفة كما صدر عام 1959، ولكننا نعتقد بوجود التعديل الضمني لبعض اختصاصات الغرفة كما وردت في قانون عام 1959، فهي اختصاصات واسعة لعدم وجود اجهزة قانونية أخرى آنذاك. ونعتقد أن التعديل الضمني ممكن الوجود ولكن تتبعه ليس هو الهدف الأساسي بالنسبة لهذه الدراسة، ومن يقل بوجود التعديل الضمني لقانون الغرفة في واحد من الاختصاصات المقررة لها فعليه تقديم النص الذي يقرر التعديل. أما عن التعديل في تسمية الغرفة وعدد أعضاء مجلس ادارتها فنحن نعتقد بوجوده، وأداة التعديل المستخدمة لم تكن التشريع ولكنها كانت العرف. والعرف، إذا اكتملت أركانه، مصدر من مصادر القاعدة القانونية وله قوة موازية لقوة التشريع الذي يأتي الى جواره. وإذا ما طبقنا أركان العرف في موضوع التسمية وزيادة عدد أعضاء مجلس الإدارة فإننا نحد أمامنا سلوكا مستقرا بدأ منذ عام 1962 بصدور قرار الجمعية العمومية للغرفة وهو سلوك لا يخالف مقاصد التشريع، بل هو يضيف له بما لا يتعارض معه فقانون الغرفة يشير الى اتصالها بتنظيم أمور الصناعة (م1، 3، 6، 7، 15)، وقرار الجمعية العمومية للغرفة بتعديل التسمية وزيادة عدد الاعضاء تبعا لذلك قد نشر في الجريدة الرسمية بقرار من السلطة التنفيذية (الكويت اليوم العدد 376).
ثم أن هذا العرف كان محلا لإقرار تشريعي سجله واعتبره، فقد وردت تسمية الغرفة «غرفة التجارة والصناعة» أو «غرفة تجارة وصناعة الكويت» في المادة 10 من القانون 1964/36 في شأن تنظيم الوكالات التجارية، والمادة 4 من القانون 1965/6 بإصدار قانون الصناعة والمادة 2 من القانون 1964/43 بشأن الاستيراد والاقرارات التشريعية السابقة تسند اقتناعنا بورود التعديل في التسمية وما تبعه من تعديل بعدد أعضاء مجلس الإدارة، وأن أداة التعديل هو عرف يوازي القانون في قيمته لاكتمال أركانه.
الملاحظات والتوصيات:
1- ما سجلناه على قانون الغرفة من ملاحظات، لا ينزع عن القانون القائم للغرفة الصادر عام 1959 قرينة الدستورية التي يتمتع بها، فهي تظل قائمة الى حين صدور حكم بعدم الدستورية.
2- تعديل قانون الغرفة لتحسين أدائها وإعادة تنسيق اختصاصاتها منطقي، ولكن هذا التعديل من اختصاص المشرع العادي، ومن يملك حق اقتراح التعديل هو الحكومة وأعضاء مجلس الأمة.

تسجيل الدخول


صيغة الجوال غير صحيحة

أو يمكنك تسجيل الدخول باسم المستخدم و كلمة المرور